السلام عليكم ورحمته وبركاته
الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي وكنيته أبو فراس (38 هـ / 658م - 110 هـ / 728م). ولد في البصرة ويعود نسبه إلى سلالة مضر بن نزار من تميم في نجد في جزيرة العرب. شاعر من النبلاء وعظيم الأثر في اللغة وسمي الفرزدق لضخامة وتجهم وجهه. لقبه الفرزدق، ومعناها الرغيف، لقب بذلك لجهامة كانت في وجهه، وقيل لقبح ودمامة، إذ كان وجهه كالرغيف المحروق.
الفرزدق من شعراء العراق شعراء الطبقة الأولى، وهو وأبوه قثراء ومن نبلاء قومه وسادتهم بنو تميم ومن أكثر الشعراء، يقال أنه لم يكن يجلس لوجبة وحده أبدا، وكان يجير من استجار بقبر أبيه، وجده صعصعة كان محيي الموؤودات وهن البنات التي كانت تدفن قبل الإسلام في الجاهلية. كان الفرزدق كثير الهجاء، إذ أنَّه اشتهر بالنقائض التي بينه وبين جرير الشاعر حيث تبادل الهجاء هو وجرير طيلة نصف قرن حتى توفي ورثاه جرير. تنقل بين الأمراء والولاة يمدحهم ثم يهجوهم ثم يمدحهم. كان جرير والفرزدق أصدقاء قريبين من بعضهم البعض الا في الشعر. فكان الناس يرونهم يمشون في الأسواق مع بعضهم البعض ولكن عندما يأتي الشعر فكل منهم له طريقته وعداوته للآخر انتهى تبادل الهجاء بينه وبين جرير عند وفاة الفرزدق وعند وفاته رثاه في قصيدته المشهوره.
لعمري لقد أشجى تميمـاً وهدها
على نكبات الدهر موت الفرزدق
عشيـة راحـوا للفـراق بنعشه
إلى جدثٍ في هوة الأرض معمـقِ
لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي
إلى كل نجم فـي السماء محلقِ
ثوى حامل الأثقال عن كل مُغـرمٍ
ودامغ شيطان الغشـوم السملـقِ
عمـاد تميـم كلهـا ولسانـهـا
وناطقها البذاخ فـي كـل منطـقِ
فمن لذوي الأرحام بعد ابن غالبٍ
لجارٍ وعانٍ في السلاسـل موثـقِ
ومن ليتيم بعد موت ابـن غالـب
وأم عـيـال ساغبـيـن ودردقِ
ومن يطلق الأسرى ومن يحقن الدما
يداه ويشفي صدر حـران مُحنَـقِ
وكم من دمٍ غـالٍ تحمـل ثقلـ
ه وكان حمولاً في وفـاءٍ ومصـدقِ
وكم حصن جبار هُمـامٍ وسوقـةٍ
إذا مـا أتـى أبوابـه لـم تغلـق
تفتـح أبـواب الملـوك لوجهـه
بغيـر حجـاب دونـه أو تملُـقِ
لتبكِ عليه الأنس والجن إذ ثـوى
فتى مُضرٍ في كل غـربٍ ومشـرقِ
فتىً عاش يبني المجد تسعيـن حجـة
ً وكان إلى الخيرات والمجد يرتقي
فما مات حتى لـم يُخلـف وراءه
بحيـة وادٍ صولـةً غيـر مصعـقِ
نظم في معظم فنون الشعر المعروفة في عصره وكان يكثر الفخر يليه في ذلك الهجاء ثم المديح. مدح الخلفاء الأمويين بالشام، ولكنه لم يدم عندهم لمناصرته لآل البيت. كان معاصرا لأخطل لجرير الشاعر أيضا، وكانت بينهما صداقة حميمة، إلا أن النقائض بينهما أوهمت البعض أن بينهم تحاسدا وكرها، وانشعب الناس في أمرهما شعبتين لكل شاعر منهما فريق، لجرير في الفرزدق رثاء جميل.
كانت للفرزدق مواقف محمودة في الذود عن آل البيت. وكان ينشد بين أيدي الخلفاء قاعدا. وجاء في كتاب الموجز في الشعر العربي للشاعرالعراقي فالح الحجية الكيلاني انه لقب بالفرزدق لجهامة ووجوم في وجهه يكاد لايفارقه مدح قومه وفخر بهم ومدح العلويين وتعصب لهم الاانه مدح الامويين تقيا وتخوفا ويتميز شعره بقوة الأسلوب والجودة الشعرية وقد ادخل في الشعرالعربي الكثير من الالفاظ الغريبة وبرع في المدح والفخر والهجاء والوصف) يقول أهل اللغة:
[glow1=0000FF]
لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث العربية
[/glow1]
مُـقَـدَّمٌ بَـعـدَ ذِكـرِ اللَهِ ذِكرُهُمُ
فـي كُـلِّ بِـدءٍ وَمَختومٌ بِهِ iiالكَلِمُ
إِن عُـدَّ أَهـلُ الـتُقى كانوا iiأَئمَّتَهُم
أَو قيلَ مَن شَيرُ أَهلِ الأَرضِ قيلَ هُمُ
لا يَـسـتَـطـيعُ جَوادٌ بَعدَ iiجودِهِمُ
وَلا يُـدانـيـهِـمُ قَومٌ وَإِن iiكَرُموا
هُـمُ الـغُـيوثُ إِذا ما أَزمَةٌ أَزَمَت
وَالأُسـدُ أُسدُ الشَرى وَالبَأسُ مُحتَدِمُ
لا يُـنقِصُ العُسرُ بَسطاً مِن iiأَكُفِّهِمُ
سِـيّـانِ ذَلِكَ إِن أَثرَوا وَإِن عَدِموا
يُـسـتَـدفَعُ الشَرُّ وَالبَلوى iiبِحُبِّهِمُ
وَيُـسـتَـرَبُّ بِـهِ الإِحسانُ iiوَالنِعَمُ
كان الفرزدق يعيش حياته بين الأمراء والولاة متنقلا بين الهجاء والمدح فأحياناً يهجوهم وأحياناً أخرى يمدحهم، فعمل على العيش في الحياة كما يحلو له فقضى عمره ينهل من ملذاتها وترفها.
توفى عام 110هـ - 728م في بادية البصرة.
مما قاله في التفاخر وتحدى به جرير
مِـنّا الَّذي اِختيرَ الرِجالَ iiسَماحَةً
وَخَـيراً إِذا هَبَّ الرِياحُ iiالزَعازِعُ
وَمِنّا الَّذي أَعطى الرَسولُ عَطِيَّةً
أُسـارى تَـميمٍ وَالعُيونُ iiدَوامِعُ
وَمِنّا الَّذي يُعطي المِئينَ وَيَشتَري
الـغَوالي وَيَعلو فَضلُهُ مَن iiيُدافِعُ
وَمِـنّـا خَطيبٌ لا يُعابُ iiوَحامِلٌ
أَغَـرُّ إِذا اِلـتَفَّت عَلَيهِ iiالمَجامِعُ
وَمِـنّـا الَّذي أَحيا الوَئيدَ وَغالِبٌ
وَعَـمروٌ وَمِنّا حاجِبٌ iiوَالأَقارِعُ
وَمِـنّا غَداةَ الرَوعِ فِتيانُ iiغارَةٍ
إِذا مَتَعَت تَحتَ الزُجاجِ iiالأَشاجِعُ
وَمِنّا الَّذي قادَ الجِيادَ عَلى الوَجا
لِـنَـجرانَ حَتّى صَبَّحَتها iiالنَزائِعُ
أولَـئِـكَ آبـائي فَجِئني iiبِمِثلِهِم
إِذا جَـمَـعَتنا يا جَريرُ المَجامِعُ
نَـمَوني فَأَشرَفتُ العَلايَةَ فَوقَكُم
بُـحـورٍ وَمِـنّا حامِلونَ iiوَدافِعُ
بِـهِم أَعتَلي ما حَمَّلَتني iiمُجاشِعٌ
وَأَصـرَعُ أَقـراني الَّذينَ أُصارِعُ
ومن قصائده في الفخر أيضا
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السَماءَ بَنى iiلَنا
بَـيـتـاً دَعائِمُهُ أَعَزُّ iiوَأَطوَلُ
بَـيتاً بَناهُ لَنا المَليكُ وَما iiبَنى
حَـكَـمُ الـسَماءُ فَإِنَّهُ لا يُنقَلُ
بَـيـتـاً زُرارَةُ مُحتَبٍ iiبِفِنائِهِ
وَمُجاشِعٌ وَأَبو الفَوارِسِ iiنَهشَلُ
يَلِجونَ بَيتَ مُجاشِعٍ وَإِذا اِحتَبوا
بَـرَزوا كَـأَنَّهُمُ الجِبالُ iiالمُثَّلُ
لا يَـحـتَبي بِفِناءِ بَيتِكَ iiمِثلُهُم
أَبَـداً إِذا عُـدَّ الـفَعالُ الأَفضَلُ
كان مقدما في الشعراء، وصريحا جريء، يتجلى ذلك عندما يعود له الفضل في أحياء الكثير من الكلمات العربية التي اندثرت. من قوله:
إذا مت فابكيني بما أنا أهله
فكل جميل قلته فيّ يصدق
وكم قائل مات الفرزدق والندى
وقائلة مات الندى والفرزدق
قدم هشام بن عبد الملك للحج برفقة حاشيته وقد كان معهم الشاعر العربي الفرزدق وكان البيت الحرام مكتظاً بالحجيج في تلك السنه ولم يفسح له المجال للطواف فجلب له متكأ ينتظر دوره وعندما قدم الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه انشقت له صفوف الناس حتى ادرك الحجر الاسود فثارت حفيظة هشام واغاضه ما فعلته الحجيج لعلي بن الحسين رضى الله عنه فسئل هشام بن عبد الملك من هَذا؟
فأجابه الشاعر العربي الفرزدق هذه القصيدة وهي من اروع ماقاله الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحـاء وطئتـه ***والبيـت يعرفـه والحـلُّ والحـرمُ
هـذا بـن خيـر عبـاد الله كُلُّهـمُ ** * هذا التقـي النقـي الطاهـرُ العلـمُ
هذا بن فاطمـةٍ انْ كنـت جاهلـه ***بجـده انبيـاء الله قــد ختـمـوا
وليـس قولـك مـنْ هذا؟بضائـره *** العرب تعرف من انكرت والعجـمُ
كلتـا يديـه غيـاثٌ عـمَّ نفعهمـا *** يستوكفـان ولا يعروهمـا عَــدمُ
سهـل الخليقـة لاتخشـى بـوادره *** يزينه اثنان حِسنُ الخلـقِ والشيـمُ
حمّال اثقـال اقـوام ٍ اذا امتدحـوا*** حلو الشمائـل تحلـو عنـده نعـمُ
ما قـال لاقـط ْ الا فـي تشهـده ** * لـولا التشهّـد كانـت لاءه نـعـمُ
عمَّ البريـة بالاحسـان فانقشعـت *** عنها الغياهـب والامـلاق والعـدمُ
اذا رأتـه قريـش قـال قائلـهـا ** * الى مكـارم هـذا ينتهـي الكـرمُ
يُغضي حياءً ويغضي مـن مهابتـه*** فـلا يكـلُّـم الا حـيـن يبتـسـمُ
بكفّـهِ خيـزرانُ ريحهـا عـبـق*** من كف اروع في عرنينـه شمـمُ
يكـاد يمسكـه عرفـان راحـتـه*** ركن الحطيم اذا مـا جـاء يستلـمُ
الله شـرّفـه قـدمـاً وعـظّـمـه *** جرى بذاك لـه فـي لوحـة القلـمُ
ايُّ الخلائق ليسـت فـي رقابهـمُ *** لأوّلـيّـه هــذا اولــه نِـعـمُ
مـن يشكـرِ الله يشكـر اوّليّـه ذا*** فالدين من بيت هـذا نالـه الامـمُ
ينمي الى ذروة الدين التي قصـرت***عنها الاكف وعن احراكهـا القـدمُ
من جده دان فضـل الانبيـاء لـه*** وفضـل امتـه دانـت لـه الامـمُ
مشتقـة مـن رسـول الله نبعـتـه *** طابت مغارسـه والخيـم والشيـمُ
ينشق نور الدجى عن نور غرتـه ***كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلمُ
من معشرٍ حبهـم ديـنٌ وبغضهـمٌ *** كفـرٌ وقربهـم منجـى ومعتصـمُ
مقـدّمٌ بعـد ذكــر الله ذكـرهـمُ *** في كِلّ بـدءٍ ومختـوم بـه الكلـمُ
إن عدَّ اهل التقـى كانـوا ائمتهـم***او قيل من خير اهل الارض قيل همُ
لا يستطيـع جـوادُ بعـد جودهـم*** ولا يدانيهـم قــوم وإن كـرمـوا
هم الغيوث اذا مـا ازمـة ازمـت***والاسد اسدُ الشرى والبأس محتـدم
لاينقص العسر بسطاً مـن اكفّهـم***سيّان ذلك إن اثـروا وان عدمـوا
يستدفـع الشـرُّ والبلـوى بحبّهـم***ويستربُّ بـه والاحسـان والنعـمُ
وقال ايضاً
زارَ الفَرَزْدَقُ أهْلَ الحِجازِ
فَلَمْ يَحْظَ فِيهِمْ ولمْ يُحْمَدِ
وَأخزَيتَ قومكَ عِندَ الحَطِيمِ
وبَيْنَ البَقِيعَيْنِ وَالغَرْقَدِ
وجدنا الفرزدقَ بالموسمينِ
خَبِيثَ المَداخِلِ والمَشْهَدِ
نفاكَ الأغرُّ بن عبد العزيزِ
بحَقّكَ تُنْفى َ عَنِ المَسْجِدِ
وَشَيّهْتَ نَفسَكَ أشْقى َ ثَمودَ
فَقالوا: ضَلِلْتَ ولمْ تَهْتَدِ
و قد أجلوا حينَ حلَّ البذابُ
ثَلاثُ لَيَالٍ إلى المَوعِدِ
وَيَوْمَ البَحِيرَيْنِ ألْحَقْتَنَا
خَبِيثَ الأوَارِيّ وَالمِرْوَد
وجدنا جبيراً أبا غالبٍ
بَعِيدَ القَرابَة ِ مِنْ مَعْبَد
أتجعلُ ذا الكيرِ منْ مالكٍ
و أينَ سهيلٌ منْ الفرقدِ
و شرُّ الفلاءِ ابنُ حوقِ الحمارِ
و تلقى قفيرة َ بالمرصد
و عرقُ الفرزدقِ شرُّ العروقِ
خَبِيثُ الثّرى كابيُ الأزْنُد
وَأوْصى َ جُبَيْرٌ إلى غالِبٍ
وَصِيّة َ ذي الرّحِمِ المُجْهدِ
فقالَ ارفقنَّ بلى الكتيفِ
وَحَكِّ المَشاعِبِ بالمِبْرَدِ
كَلِيلاً وَجَدْتُمْ بَني مِنْقَرٍ
سِلاحَ قَتيلِكُمُ المُسْنَدِ
تَقولُ نَوارُ فضَحْتَ القُيُونَ،
فليتَ الفرزدقَ لمْ يولدِ
و قالتْ بذي حوملٍ والرماحِ
شَهِدتَ وَلَيْتَكَ لم تَشْهَدِ
وَفازَ الفَرَزْدَقُ بالكَلْبَتَيْنِ،
وَعِدْلٍ مِنَ الحُمَمِ الأسْودِ
فرقعْ لجدكَ أكيارهُ
وَأصْلِحْ مَتاعَكَ لا تُفْسِدِ
و أدن العلاة َ وأدنِ القدومَ
و وسعَ لكيركَ في المقعدِ
قرنتُ البعيثَ إلى ذي الصليبِ
مَعَ القَيْنِ في المَرَسِ المُحصَد
وَقَدْ قُرِنوا حِينَ جَدّ الرّهانُ،
بِسامٍ إلى الأمَدِ الأبْعَدِ
يُقَطِّعُ بِالجَرْيِ أنْفَاسَهُمْ
بِثَنْيِ العِنانِ، ولمْ يُجْهَدِ
فَإنّا أُناسٌ نُحِبُّ الوَفاءَ
حذارَ الأحاديثِ في المشهدِ
وَلا نَحْتَبي عِندَ عَقْدِ الجوَارِ
بغيرِ السيوفِ ولا نرتدي
شددتمْ حباكم على غدرة
ٍ بجيشانَ والسيفُ لم يغمدِ
فبُعْداً لِقَوْمٍ أجَارُوا الزّبَيْرَ،
وأمّا الزّبَيْرُ، فَلا يَبْعَدِ
أعبتَ فوارسَ يومِ الغبيطِ
وأيّامَ بِشْرِ بَني مَرْثَدِ
و يوماً ببلقاءَ يا ابنَ القيونِ
شَهِدْنَا الطّعَانَ ولَمْ تَشْهَدِ
فَصَبّحْنَ أبْجَرَ وَالحَوْفَزَانَ
بوردٍ مشيحٍ على الرودِ
لهنَّ أخاديدُ في القرددِ
نُعِضّ السّيُوفَ بهَامِ المُلُوكِ،
وَنَشفي الطِّماحَ مِنَ الأصْيَدِ
كان جد الفرزدق يشتري المؤودات فيالجاهلية ثم أسلم أبوه بعد ظهور الإسلام. تربى الفرزدق في البادية فاستمد منها فصاحته وطلاقة لسانه.
توفي وقد قارب المئة سنة 110 هـ الموافق 728، وكانت وفاته في منطقة كاظمة بالكويت
وهنا نتوقف لحظات عند الشعر الاصيل
إمضــــــاء من نور